حوَّلت منهج ثورَة 30 يونيو.. لـ"أسلوب حياة" انتخابات الصوفية "إداريّة" بـ"نَكْهَة" وطنيّة.. لخدمة الأُمَّة المصرية
احتفلت الطُرُق الصوفيّة بذكْرَىَ الثلاثين من يونيو بـ"طَرِيْقَتِها الخاصَّة"، حيث تواكبت مع إجراء انتخاباتها لاختيار أعضاء مجْلِسها الأعلى- الذى يتمّ كل 3 سنوات، بإشراف قضائي كامل، وبرعاية محافظ القاهرة- ويضم المجلس فى عضويته 10 أعضاء، بخلاف رئيسه الأعلى، فضلا عن وجود 5 أعضاء مُمثِّلين للأزهر الشريف، الأوقاف، الثقافة، الداخلية، التنمية المحلية.
فقد اعتبرت "الطُرُق الصوفيّة" هذه الذكرى- بمنهجها السِلْمِى، وتماسُك اللُّحْمَة الوطنية- فُرصةً ذهبيةً لجَعْلِها "نُقطَة انطلاقٍ وتحوُّلٍ" بل "أسلوب حياة"، لتجسيد وتطبيق ذلك المنهج "الثوري العِلْمِي المُتفّرِّد" لخدمة الأمّة المصريّة، وبالتبعيّة الأمّة العربية والإسلامية بل الإنسانية جمعاء، ولكن من باب "التصوّف" الذى هو ارتقاء وسُمُوٌّ بـ"الرُّوح" إلى مصافِّ "الملائكية" لبناء "الحياة الكريمة" فى "الجمهورية الجديدة" على أسُسٍ من الصفاء والنقاء فى التعامُل البَشَرى، والإخلاص والتفانى فى العمل الخَدَمِى والتطوُّعى.
وتمثَّل هذا فى حضور 63 شيخ طريقة من أصل 70 عضوًا بالجمعية العمومية، وبلغ عدد الأصوات الصحيحة 60 صوتًا.
المشاركة "التنفيذية"
ولم تكن الانتخابات الصوفية بمعْزَلٍ عن المشاركة "التنفيذية" للأجهزة المعنية، والتي مَثَّلَها د. إبراهيم صابر- محافظ القاهرة- الذى أشاد بالدور الصوفي الكبير فى نشْر الوعي والثقافة الصحيحة والقيم الأخلاقية السامية، والنموذج المشرِّف الذي قدَّمه "المشايخ" لكافة أبناء الوطن فى الممارسة السياسية الفعَّالة والإيجابية للحقوق الوطنية والدستورية، بما يُساهم فى بناء المجتمعات الإنسانية على أسس من الاحترام والتعاون البنَّاء.
وقد حرص على المشاركة كذلك اللواء أحمد عبدالهادي- نائب المحافظ للمنطقة الغربية- المستشار محمد عمر- المستشار القضائي للمحافظ- د. أسامة فخرى الجندي- رئيس الإدارة المركزية للمساجد وشئون القرآن الكريم بالأوقاف، مُمَثِّلا لوزير الأوقاف، ومُفوَّضًا من مجلس الوزراء عن التنمية المحلية- وأعضاء اللجنة المشكَّلة من مجلس الوزراء نظرا لغياب المجالس الشعبية المحلية.
إدارة "مُحَنَّكَة"
واستطاع د. عبدالهادي القصبي- زعيم الأغلبية فى مجلس النواب، شيخ مشايخ الصوفية- إدارة العملية الانتخابية بـ"حِنْكَة" سياسية، وسط أجواء تسودها روح التنافس الشريف والرغبة في خدمة التصوّف ومريديه، مؤكِّدا أن الانتخابات مثَّلت ترجمة حقيقية لقيم التصوف القائم على التزكية والتجرُّد وخدمة المجتمع، لأن الهدف من هذا الاستحقاق هو التسابق في إعلاء قيم التصوف والتحصُّن بالعلم والمعرفة لخدمة الوطن والمواطنين، في إطار من الوحدة الوطنية والولاء للدولة المصرية ومؤسساتها. وهذا ما رسَّخته ثورة الشعب المصري في الثلاثين من يونيو ٢٠١٣.
أضاف: نؤمن أن التصوّف الصحيح هو حصْن منيع في مواجهة التطرُّف والانحراف، وهذه الانتخابات رسَّخت لمسيرة العمل الجماعي والمشاركة في اتخاذ القرار بما يخدم القيم الروحية والأخلاقية التي يمثِّلها أهل التصوّف على مدار التاريخ، كما تعكس حالة من الوعي والمسئولية بين مشايخ الطرق الصوفية، فالمشاركة الإيجابية في أى استحقاق انتخابي خطوة مهمة لترسيخ العمل المؤسّسي والمشاركة الفاعلة في إدارة شئون التصوّف. والمشيخة العامة، حريصة على ضمان الشفافية والالتزام بالقواعد القانونية والأخلاقية لخدمة المنهج الصوفي الوسطي المعتدل.
أشار د. القصبي، إلى أن التنافس بين المرشَّحين هو في جوهره تسابق في ميادين العلم والدعوة والقيم، قائلاً: "هذه ليست مجرّد انتخابات تنظيمية، بل لحظة فارقة لتأكيد دور التصوّف في حماية المجتمع من التطرّف، وتعزيز قيم التسامح والتراحم والانتماء للوطن".
ونبَّه د. القصبى، إلى أننا نعيش ذكرى مناسَبَتَيْن جليْلَتَين، دينية وهى الهجرة التي تعني الانتقال من حال إلى حال ونتمنّى أن يكون للأفضل دائما، وذكرى وطنية وهي ثورة ٣٠ يونيو التي جسَّدت اللُّحمة الوطنية والتماسك الشعبي للحفاظ على وحدة الوطن وعدم التمييز بين المواطنين، وقد استحضر مشايخ الصوفية هاتين المناسبتين وهم يمارسون العملية الانتخابية بكل شفافية ونزاهة، مُقَدِّما الشُكر لكل من قدَّم المصلحة العامة على الخاصة، ولكل المشايخ، الذين هم مهمته نشر القيم الأخلاقية والعطاء والإيثار والكل فائز وليس هناك خاسر، فالجميع يتعاون لمصلحة الوطن والمواطنين. وكذا الشكر للمحافظ، والمستشار حسام شلبى لإنجاح الانتخابات.
وشدَّد د. القصبي، على أن المرحلة المُقبلة تتطلّب تكاتف الجميع من أجل تعزيز مكانة التصوّف في المجتمع المصري ومواجهة أي محاولات للنَيْل من استقراره. مؤكّدا أن التصوّف الصحيح هو خط الدفاع الأول في مواجهة الفكر المتطرّف والانحراف الديني.
بداية قوية
وكانت أولى توصيات اجتماع المجلس الأعلى بتشكيله الجديد- الذي ضمَّ: الشيخ سالم الجازولي، الشيخ علاء أبو العزائم، د. علي جمعة، د. جمال الدسوقي، الشيخ أحمد الصاوي، الشيخ الحسين سلامة الراضى، م. عبدالخالق الشبراوي، د. محمود مالك علوان، الشيخ عبدالله المحجوب، الشيخ سعيد الشناوي- تفعيل الدور المجتمعي والتوعوي للطُرق الصوفية، وتوسيع الأنشطة الثقافية والخدمية، إلى جانب التنسيق مع مؤسسات الدولة والأزهر والأوقاف لتعزيز خطاب ديني وسطي ومستنير. والتأكيد على دعم الدولة المصرية وقيادتها السياسية في ظل التحديات الراهنة، والعمل على دعم الاستقرار المجتمعي وترسيخ القيم الأخلاقية والروحية في مختلف المحافظات.
"نَفْحَةُ الدسوقيَّة"
وبرَزَت "نَفْحَةُ" الصوفية الحقَّة، عقب الانتهاء من "الممارسة الانتخابية" فى "دعوة المحبَّة" التى وجَّهها د. جمال مختار الدسوقي- شيخ الطريقة الدسوقية المحمدية، والعضو الجديد فى المجلس، عقب تولِّيه المسئولية خَلَفًا لوالده رحمه الله- لجميع أعضاء الجمعية العمومية، على مائدة الغداء، بمقرّ طريقته العامرة التى أسَّسها الراحل السيد مختار الدسوقى، والمجاوِرة للمشيخة العامة للطُرق الصوفية، مؤكِّدا أن الطرق الصوفية جميعها مدارس متعدِّدة، ومناهِل ومشارِب متنوّعة لمِشْكَاة واحدة هى "المدرسة المحمّدية" فى الأخلاق والسلوك، مبدأها "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ" (سورة النحل: 125).
أشار د. جمال الدسوقي، إلى أن الصوفية فى منهجهم وسلوكهم يقتدون بالإمام والمعلِّم الأول للبشرية، سيّدنا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- وأيضا يتفاعلون مع مجتمعهم ومحيطهم وعالَمهم بتطوّراته وتقنياته، لأنهم لا ينفصلون ولا ينعزلون عن واقعهم- كما يُخْطِئ البعض فى رؤيته للتصوّف- فالصوفي هو رجل "ابن عَصْرِه"، ولذلك- يستطرد د. جمال الدسوقى- جَسَّدنا- كصوفية- فى انتخابات مجْلِسنا الأعلى، وبمناسبة ذكرى ثورة الشعب فى الثلاثين من يونيو، كل القيم والمبادئ والأخلاق التي عُرِف بها المصريون من الاحترام والتوقير المتبادَل بين جميع المتنافسين فى الانتحابات، انطلاقا من التوجيه القرآني "وفى ذلك فليتنافس المتنافسون"، وخرج الجميع "على قلب رجل واحد"، مُجْمِعين على الوقوف خَلْف قيادتنا الوطنية المُخْلِصَة لتحقيق الارتقاء والتقدُّم والحياة الكريمة لكل مواطني بلدنا الحبيب "أُمُّ الدنيا" بقيادة فخامة الرئيس المحبوب عبدالفتاح السيسي.
أضاف: وخَلْفَ هذا المجلس الصوفي يقف أكثر من 20 مليون تابع ومريد، فى اصطفاف وطنى واعتصام بحبل الله المتين، كلّهم يؤمنون بعقيدة الانتماء والإخلاص للوطن الغالى الذي شرَّفه الخالق سبحانه وتعالى بالتجلِّى الأعظم على بُقْعَة غالية من حدوده المقدَّسة.
الهُوية المصرية
ووصف السيد سالم جابر الجازولي- عضو المجلس، شيخ الطريقة الجازولية الحسينية الشاذلية- تزامن الانتخابات واحتفالات مصر والمصريين بذكرى حلول ثورة ٣٠ يونيو المجيدة، بأنها (من حُسن الطالع، وبُشْرِة خير).
وقال: كانت الـ30 من يونيو تجسيداً لانتصار الشعب المصري علي الجماعة الإرهابية وعلي الظلم والإرهاب الذي ارتكبته، فلم يقف الشعب المصري مكتوفا مستسلما ونزل إلي الشوارع مُحتشدا لاستعادة الهُوية الوطنية التي عُرفت وتميَّزت بها مصر على مدى تاريخها العريق، فأعادت ثورة 30 يونيو الأمور إلى نِصَابها الحقيقي، خاصة فيما يتعلّق بحماية مؤسّسات الدولة الوطنية من الانهيار.
تابع: والانتخابات الصوفية مثَّلت ترجمة حقيقية لقيم التصوّف القائم على التزكية والتجرّد وخدمة المجتمع، في إطار من الوحدة الوطنية والولاء للدولة المصرية ومؤسَّساتها. لأننا نؤمن بأن التصوف الصحيح هو حصن منيع في مواجهة التطرف والانحراف، وهذه الانتخابات ترسخ لمسيرة العمل الجماعي والمشاركة في اتخاذ القرار بما يخدم القيم الروحية والأخلاقية التي يمثِّلها أهل التصوف على مدار التاريخ. فالانتماء والولاء للوطن عقيدة راسخة عند كل الوطنيين الشرفاء من أبناء "أم الدنيا"، مصر المحروسة، وجميعنا نسعى لـ"تحيا مصر" عزيزة مرفوعة هامَتُها، خفَّاقة رايتُها، رائدة في محيطها الإقليمي والدولي بقيادة فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي.
نموذج يُحتذى
من جانبه، أوضح م. محمد عبدالخالق الشبرواى- شيخ الطريقة الشبراوية- أن العملية الانتخابية خرجت بالشكل الذي يعبر عن جوهر الشعب المصري الأصيل، وما اكتسبه على مدار تاريخه العريق من أصول ومبادئ وأخلاقيات، دعَّمتها الحضارات والثقافات والأديان المتعاقبة على أرض الحضارات مصر أُمّ الدنيا، فضلا عما تمثله الصوفية من قيم وأخلاق تعبر بحق وصدق عن سماحة الإسلام، ويجسدها السادة مشايخ الصوفية فى سلوكياتهم ةتعاملاتهم الحياتية، مقدِّمين القدوة والمثل لأتباعهم ومريديهم، متفاعلين ومندمجين فى مجتمعهم الحضاري، وقد رأينا كيف كان المصريون فى ثورة 30 يونيو 2013 نموذجا يُحتذى للشعوب فى حفاظهم على شخصيتهم الوطنية ووحدتهم، وكذلك كانت الانتخابات الصوفية نموذجا فى الاحترام والوعي والانتماء للوطن والاصطفاف خلف قيادة حكيمة راشدة لبناء "الجمهورية الجديدة" بسواعد جميع أبناء الوطن.
محطَّة مُضيئة
والتقط خيط الحديث السيد عبدالله المحجوب- شيخ الطريقة الميرغنية الختمية- قائلا: مثَّلت لاانتخابات لحظة مضيئة في مسيرة الصوفية، وجسَّدت روح الشورَى والتلاحم بين أبناء الطُرق كافة. مشيرا إلى أن تزامن هذه الانتخابات مع ذكرى ثورة 30 يونيو يحمل دلالة رمزية عظيمة، حيث يجتمع فيها صف الإرادة الشعبية مع الصفاء الروحي، مؤكداً أن الصوفية كانت وستظل سَنَدًا للوطن في مواجهة كل فكر متطرِّف وغريب عن سماحة الإسلام.
ومشدِّدًا على ضرورة توحيد الكلمة والمواقف لخدمة أهل التصوف والارتقاء برسالته. والتوجُّه بالدعاء لمصر بالأمن والاستقرار، تحت قيادة رشيدة تحرص على ثوابت الأمّة وهُويتها الأصيلة.
ركيزة الوعي
وأكد د. محمود مالك علوان- شيخ الطريقة العلوانية الخلوتية- أن قوة الوطن فى وعي أبنائه ومشاركتهم الفعَّالة (من المسجد للمُخْتَبَر، ومن العبادة للعِمَارة، ومن الدعاء للدَفْع الحضارى)، فلا مناص منهما (الوعي والمشاركة الفعالة) فى بناء المجتمع وتقدم الأمة، من خلال التزام الفرد والمجتمع بالإيمان والعلم لتحقيق التنمية الشاملة المستدامة، فهذا سبيل تعزيز قوتهم واستقرارهم، وكذا تعزيز القيم الإيمانية والوطنية لتحقيق القوة والازدهار فى المجتمع، بما يشكل المعادلة الحضارية الرشيدة (إيمان+ علم+ عمل+ تقوى+ إخلاص= مجتمع قوى مستقر مستدام)، مستشهدا بقوله تعالى: "وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿٤٠﴾" سورة الحج.